responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 554
[تهمة قسوة الشريعة الإسلامية]
أما تهمة القسوة والشدة فى الحدود التى جعلت بعض الذين لا يعلمون يتطاول إلى وصفها بالوحشية والرجعية والهمجية إلى غير هذه الأوصاف، فأمر مقصود لحكمة سابقة ونظرة عالية يكشف اليوم عن جلالها وجمالها ودقتها وروعتها ما ذهب إليه المشرّعون العصريون من أن العقاب علاج لا مجرّد جزاء، وأنه يجب أن يساير طابع النفوس وغرائزها، ويصدر عن علم بخفاياها ودقائقها، والحدود الإسلامية مبنية على ذلك فى صورتها، فهى تبدو فى شكل من القسوة يرهب ويخيف حقّا، ولكن لعدد محدود من الجرائم يتّصل بالغرائز الإنسانية التى لا بدّ لردعها وعلاجها من هذه الصورة من الدواء، حتى إذا وصل الأمر إلى يد القاضى، فهناك طرق الإثبات، وهناك" ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" [1].
ولن تجد بعد ذلك تشريعا أرفق وأرحم، ولا أدق وأكرم من تشريع الإسلام، وخذ مثلا لذلك حد الزنى، وهو أقسى الحدود فى نظر الناس فهو جلد على ملإ من الناس، أو رجم بالحجارة إلى الموت، كيف يثبت؟! لا يمكن إلا بالشهادة بصورتها المعروفة، ولن تتوفر، أو بالإقرار ولا عذر لمن أقر، حتى إذا عرفت للقاضى أضيق ثغرة، أو وقعت فى نفسه أدنى شبهة عدل عن الحد إلى ما دونه، وهو التعزيز والتأديب بما يناسب من العقوبات، وبذلك تجمع هذه الحدود بين الصورة الرادعة والرحمة الوادعة، ولن يستقيم ذلك بعد تشريع العليم الخبير، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.
فيا أيها الذين يريدون الاستناد إلى الأوهام: حسبكم وعودوا إلى أحكام الله، ففيها الدواء والشفاء، و" لحدّ من حدود الله يقام فى أرضه، خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحا" [2].

[1] هذه قاعدة شرعية مستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم:" ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو، خير من أن يخطئ فى العقوبة" رواه الترمذى (1424).
[2] رواه أحمد (3/ 47، 118) وابن ماجة (2538) والنسائى فى" المجتبى" (4904) وفى" الكبرى" (7391) وابن حبان (4398) وأبو يعلى (6111) والبيهقى فى" الشعب" (7381) عن أبى هريرة رضى الله عنه.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 554
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست